حج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إليه سبيلا، أي إذا كانت له القدرة المادية والصحية على أداء هذه الفريضة.
ونعرض في ما يلي أهم ما ينبغي للحاج الإلمام به من أحكام هذه الشعيرة العظيمة.
مواقيت الحج
المواقيت جمع ميقات، وهو ظرف العبادة من زمان أو مكان، والمقصود به هنا ما حددته أحكام الشرع للإحرام بالحج من زمان أو مكان تتعلق بهما صحته. وهي نوعان:
-
المواقيت الزمانية: أهم موعد زمني في الحج هو توقيت أداء ركنه الأعظم، وهو الوقوف في صعيد عرفة (يوم التاسع من ذي الحجة) لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة". واتفق الفقهاء على جواز بداية الإحرام للحج من أول شهر شوال إلى يوم التاسع من ذي الحجة.
-
المواقيت المكانية: وهي الأماكن التي عينها النبي صلى الله عليه وسلم ليحرم منها من أراد الحج أو العمرة حسب الجهة التي يقدم منها إلى مكة، وهي 5 أماكن:
-
ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 450 كيلومترا، وهو المكان المعروف الآن بـ"آبار علي" قرب المدينة في الطريق إلى مكة.
-
الجحفة: يبعد عن مكة 204 كيلومترات، وهو ميقات أهل الشام ومن مر به من غيرهم، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الجحفة، وهي قرية في الشمال الغربي لمكة.
-
يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 54 كيلومترا، وسمي بهذا الاسم نسبة لجبل يلملم.
-
قرن المنازل: وهو جبل شرقي مكة يطل على عرفات، ويعد ميقات أهل نجد ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 94 كيلومترا.
-
ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 94 كيلومترا.
يتم الإحرام في هذه المواقيت عند السفر برا، أما في حال السفر جوا فيمكن لبس الإحرام قبل ركوب الطائرة أو على متنها والتلبية عند المرور فوق الميقات أو بمحاذاته.
ومن كان أقرب إلى مكة المكرمة من هذه المواقيت فميقاته محل سكنه، وكذلك أهل مكة يحرمون منها. ومن كان طريقه يمينا أو شمالا من هذه المواقيت فإنه يحرم حين يحاذي أقربها إليه.
الإحرام وأنواعه
والإحرام أن ينوي المرء الحج أو العمرة أو كليهما، وأن يتخلص من كل مظاهر اللباس والزينة، ويكتفي بلبس إزار يلفه على وسط جسمه ويستر به عورته، ورداء يضعه على كتفه وظهره، كما يجوز له لبس نعل يظهر منه القدم والكعبان. وهذا للرجل، أما المرأة فتنوي الإحرام وتلبس لباسها المعتاد الساتر لجسمها، وتكشف وجهها وكفّيها.
ويستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويقص شعره ويقلم أظافره ويتطيب، ثم يلبس ثياب الإحرام، وإن كان الوقت ليس وقت نهي صلى ركعتين. وبالإحرام يمتنع على المحرم ما كان مباحا له قبله من محظورات الحج أو العمرة.
وللشخص المحرم أن يختار بين 3 أنواع من النسك لينوي أحدها عند إحرامه، وهي:
-
التمتع: وهو أن يحرم الشخص بالعمرة وحدها فيقول عند إحرامه: لبيك عمرة، ويؤخر الإحرام بالحج إلى يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) وحتى غروب شمس يوم عرفة، وعلى المتمتع الهدي. أما من أحرم بالعمرة قبل شوال فإنه يسمى معتمرا لا متمتعا.
-
الإفراد: وهو أن يحرم الشخص بالحج وحده فيقول: لبيك حجا، فإذا وصل مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج، ويبقى على إحرامه حتى يتحلل منه بعد رمي جمرة العقبة وحتى يحلق يوم العيد، وليس عليه هدي.
-
القِران: وهو أن يحرم الشخص بالعمرة والحج جميعا فيقول: لبيك عمرة وحجا، أو يحرم بالعمرة أولا ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. وعمل القارن كعمل المفرد إلا أن القارن يلبي بالعمرة والحج معا وعليه الهدي.
-
محظورات على المُحرم
يحظر على الحاج بمجرد الإحرام ما يلي:
-
إزالة شعر الرأس وسائر الجسم بحلقه أو نتفه وكذلك تقليم الأظافر وقصها.
-
استعمال الطيب.
-
الجماع أو عقد النكاح أو خطبة النساء.
-
قتل الصيد أو ترويعه أو الدلالة عليه.
-
من المحظورات الخاصة بالرجال لبس المخيط من الثياب المفصل على هيئة البدن أو جزء منه.
-
من المحظورات الخاصة بالرجال تغطية الرأس بملاصق له كالطاقية ونحوها.
-
ومن المحظورات الخاصة بالمرأة البرقع والنقاب الذي يغطي الوجه، ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك.
ومن فعل شيئا من هذه المحظورات ناسيا أو جاهلا أو مضطرا فلا شيء عليه، ومن فعلها لحاجة ماسة فلا إثم عليه وعليه الفدية، ومن ارتكبها متعمدا بلا عذر فعليه الفدية، إلا الجماع فإن تعمده يفسد به الحج إذا كان قبل التحلل الأكبر (يسمى أيضا التحلل الثاني).
-
أركان الحج
وللحج في الإسلام 4 أركان من ترك أحدها حتى فات وقته فقد بطل حجه:
-
الإحرام، وهو نية الدخول في النسك مقرونا بعمل من أعمال الحج كالتلبية أو التجرد.
-
الوقوف في صعيد عرفة (يسمى كذلك عرفات)، ووقته من طلوع فجر يوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر اليوم التالي، وليس للمكان المسمى "جبل الرحمة" مزية شرعية عن باقي نواحي صعيد عرفات.
-
طواف الإفاضة، ويبدأ وقته من فجر يوم العيد، والأفضل أن يعمل يوم العيد ومن لم يتمكن من ذلك ففي أيام التشريق.
-
السعي بين الصفا والمروة، ويقع بعد طواف الإفاضة أو أي طواف آخر، وللمفرد والقارن أن يقدماه مع طواف القدوم.
واجبات الحج
-
التلبية، وصيغتها: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ووقتها يبدأ من الإحرام بالحج للقارن والمفرد إلى أن يرمي جمرة العقبة.
-
طواف القدوم واجب عند المالكية، أما عند الجمهور فسنة.
-
طواف الوداع واجب عند الجمهور وعند المالكية سنة، وقد رُخِّص فيه للحائض والنفساء وأهل مكة. وليس على الحاج طواف سوى هذه الثلاثة إلا أن يتنفل.
-
المبيت بمزدلفة، وقد رُخِّص في التحرك منه بعد منتصف الليل لمن كان له عمل متعلق بالحج وللعجزة والضعفاء.
-
رمي جمرة العقبة بـ7 حصيات من شروق شمس يوم العيد إلى الزوال، ومن لم يتمكن من رميها قبله فله أن يرميها إلى ما قبل الغروب، ومن لم يتمكن من رميها قبل الغروب رماها في أول أيام التشريق.
-
المبيت في مِنى أيام التشريق، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، والتأخير أفضل من التقديم لأهل مكة ولغيرهم، ومن تعجل وجب عليه الخروج من مكة قبل الغروب وإلا وجب عليه التأخير.
-
رمي الجمار مُرتَّبة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى وهي العقبة، كل واحدة 7 حصيات، ويبدأ الرمي من الزوال إلى الغروب.
-
صلاة ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم أو في أي مكان من الحرم.
-
حلق الشعر أو تقصيره بالنسبة للرجل، وللمرأة أن تقص شيئا قليلا من شعرها فقط.
ومن ترك واجبا من هذه الواجبات فعليه فدية (ذبح شاة ونحوها)، لا يأكل منه ولا يهدي ولكن يتصدق به.
-
مستحبات الحج
-
أن يحرم الرجل في إزار ورداء أبيضين، أما المرأة فلها أن تحرم في أي لون شاءت، والأفضل لها غير البياض.
-
أن يغتسل لإحرامه ولو كانت المرأة حائضا أو نفساء.
-
أن يحرم عقب صلاة مكتوبة، فإن لم يتمكن أحرم عقب ركعتين.
-
أن يغتسل لدخول مكة المكرمة وكذلك ليوم عرفة.
-
في الطواف يستلم الركنين: الحَجَر الأسود والركن اليماني إن تمكن، وإلا أشار إليهما.
-
يقول عند بداية كل شوط: "بسم الله والله أكبر".
-
يدعو بين الركنين بـ"اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
-
أفضل الحج الثجّ وهو كثرة الذبح للهدي، والعجّ وهو رفع الصوت بالتلبية للرجال.
-
الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن والتصدق.
-
أن يتضلع من ماء زمزم، ومعناه أن يكثر من شربه حتى يصل إلى أقصى درجات الارتواء وتمتلئ بطنه إلى أن تضغط على أضلاعه.
-
أن يلتقط 7 حصيات من مزدلفة ليرمي بها جمرة العقبة يوم النحر.
-
أن يكثر من الذكر والدعاء وقول لا إله إلا الله يوم عرفة.
-
أن يدعو طويلا بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق.
ومن ترك شيئا من السنن والمستحبات فحجه صحيح ولا شيء عليه.
-
يوم التروية
في اليوم الثامن من ذي الحجة، الذي يسمى "يوم التروية"، يغتسل الحاج ويحرم (إذا كان متمتعا، أما المفرد والقارن فيبقيان على إحرامهما الأول ولا يتحللان منه) ويخرج إلى منى ويبيت بها ويكثر فيها من التلبية، ويصلي فيها الصلوات الخمس، ويصلي الرباعية منها ركعتين فقط (الظهر والعصر والعشاء).
-
الوقوف بعرفة
الوقوف بعرفة يعد الركن الأعظم ولا يصح الحج من دونه، يبدأ من فجر اليوم التاسع من ذي الحجة، ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق لليوم العاشر، ويكثر فيه الحاج من الذكر والدعاء.
والمراد بالوقوف هنا هو الحضور والشهود والمكوث في هذا المكان لمدة من الزمن، وليس بالضرورة الوقوف على القدمين.
-
يصلي الحجاج في عرفة الظهر والعصر قصرا (ركعتين فقط لكل صلاة منهما) وجمع تقديم، ويكثرون الدعاء والذكر إلى وقت غروب الشمس.
المبيت بمزدلفة
مزدلفة مكان يصلي فيه الحاج المغرب والعشاء جمعا يوم التاسع من ذي الحجة كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ويبيت هناك أو يبقى فيه مدة قدّرها بعض العلماء إلى منتصف الليل.
ويستحب أن يلتقط الحاج من مزدلفة 7 حصيات لرمي جمرة العقبة فجر اليوم العاشر من ذي الحجة. وتجوز الإنابة في الرمي لمن لم يستطع من النساء أو المرضى والعجزة.
وبالنسبة لتوقيت الرمي فهو من طلوع الشمس إلى الزوال من يوم العيد، ومن زوال الشمس إلى الغروب في أيام التشريق.
-
أعمال يوم النحر
-
يتوجه الحجاج إلى منى يوم العيد، ويرمون جمرة العقبة 7 حصيات، ومع بداية الرمي تنقطع التلبية ويبدأ التكبير. فإذا رمى يحلق أو يقصر شعره، وعندئذ يحصل التحلل الأول فيجوز له كل شيء من محظورات الإحرام عدا الجماع.
-
ومن أعمال يوم النحر أيضا أن ينحر الحاج هديه (وأكثر ما يجري به العمل الآن تيسيرا على الحجاج هو أن يدفعوا ثمن الهدي لإحدى المؤسسات المعتمدة من قبل السلطات السعودية وهي تنفقه على المحتاجين)، ويطوف حول الكعبة طواف الإفاضة ويسعى بين الصفا والمروة. وسمي طواف الإفاضة لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفة، ويسمى كذلك طواف الفرض.
ولا يشترط ترتيب هذه الأعمال على هذا النحو، بل يجوز فيها التقديم والتأخير.
أيام التشريق
سميت أيام التشريق بهذه التسمية لأن اللحم فيها يشرّق ويوزع على الفقراء والمساكين. ويقصد بها ليالي 11 و12 و13 ذي الحجة.
يجب على الحاج المبيت بمنى في هذه الليالي الثلاث (أو ليلتي 11 و12 إن كان متعجلا)، ويرمي الجمرات الثلاث بعد زوال كل يوم إلى غروبه، بدءا بالصغرى فالوسطى فالكبرى.
طواف الوداع
بعد أن يتم الحاج المناسك المطلوبة منه في أيام التشريق (أو في يومين إن كان متعجلا)، يطوف طواف الوداع ثم يغادر مكة. ويسقط هذا الطواف عن الحائض والنفساء.